تناولت الحلقة الخامسة من برنامج "آفاق مدنيّة" موضوع "أي مستقبل للعمل الحقوقي المشترك في المنطقة العربية؟". واستضاف محمّد اليوسفي خلال هذه الحلقة المستشارة للشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية جيهان أبو زيد والخبير في تطوير قدرات منظمات المجتمع المدني يسري مصطفى.
وخلص ضيفا البرنامج في فقرة النقاش إلى التأكيد على أنّ التغيرات على المستوى الدولي كان لها دور في تراجع العمل الإقليمي بين المنظمات الحقوقية. كما أجمعا على صعوبة النفاذ إلى التمويل خصوصا مع تغيّر الأولويات الدولية في ظلّ تحدّيات كبيرة تواجهها منظمات المجتمع المدني.
صورة لجيهان ابو زيد
استثمار الوضع الراهن وبناء رؤية جديدة
أكدت المستشارة للشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية جيهان أو زيد أنّ العمل الإقليمي المشترك بين منظمات المجتمع المدني جيّد إجمالا خاصّة أنّه مازال متواصلا إلى اليوم رغم التحديات الجمّة التي يواجهها، مقرّة في الآن ذاته بوجود إخلالات.
وأضافت أبو زيد أنّ هناك تراجعا لا على صعيد العمل المشترك فحسب بل هناك تراجع في كامل المرحلة وعلى كافة المستويات، وذلك نتيجة التغيّرات الضخمة التي تعرفها المنطقة على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني، وهو ما أثر على اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان.
وبيّنت أنّ الاهتمام اليوم أصبح منصبّا على الشأن الوطني الأوروبي عوضا عن المنطقة العربية، علاوة على الصورة التي صدرت للخارج حول المنطقة كمصدر للإرهاب والمشاكل، وصارت أصوات اليمين في أوروبا التي تطالب بالتوقف عن دعم هذه المنطقة هي التي تكسب الاستحقاقات الانتخابية، مبرزة أنّ السياق الدولي ليس في صالحنا.
وشدّدت على ضرورة امتلاك أدوات جديدة لمواجهة هذه التحديات نظرا إلى صعوبة المرحلة التي تعيشها منظمات حقوق الإنسان.
رابط الجزء الثاني من البرنامج (النقاش ) : www.facebook.com/EssaidaFm/videos/834614424827008
وذكّرت أنّ منظمات المجتمع المدني استجابت بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وشاركت بالكشف عن بعض الانتهاكات التي لم تكن تجرأ أن تذكرها في السابق وذلك خلال السنتين اللتين سبقتا الانتكاسة، موضحة أنه ظهرت كذلك عقبة تمثلت في ملفات جديدة وقوية ابتلعت منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والوطنية مثل الاختفاء القسري وملف السجناء والتعذيب والمهاجرين، إلى جانب الملفات القديمة.
وقالت إنه كان من الضروري أن تقف المنظمات في ذلك الوقت لإدراك اللحظة ولكن ذلك ما لم يقع، مما يشير إلى أن هذه هي اللحظة المناسبة لإعادة الحسابات والمراجعة والبدء من جديد، مشيرة إلى الحاجة لبناء رؤية جديدة.
وتابعت قائلة إننا "في مرحلة مختلفة لها ملامح ومعطيات مختلفة مما يعني أننا في حاجة إلى أدوات جديدة وبالطبع علينا أن نفهم ماذا يحدث على كافة المستويات".
ولفتت إلى أنّ الأنظمة السياسة تغيّرت إلا أنّ البرامج الاقتصادية نيوليبرالية وهي مازالت عنيفة وتزداد عنفا ممّا سيزيد في الإفقار على كافة المستويات، مبرزة أن الأدوات المستخدمة للتعامل معها من قبل الحكومات ساذجة ومضحكة ومرسلة من الخارج.
وأردفت بالقول إن المنظومة الثقافية تختل وبالتالي هناك تراجع على مستوى كافة المنظومات التي تكوّن المنظومة الكبرى، مشيرة إلى تغيّرات وتحدّيات على المستوى الإقليمي، ومشدّدة على حاجة المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني إلى قراءة المرحلة بدقة وتأن وبحث سبل العمل الممكنة على الصعيدين الدولي والإقليمي.
كما أكدت أن الاهتمام اليوم لم يعد بأجندات المنظمات ولكن بالقوى الإقليمية الصاعدة، معتبرة أن هناك تغيّرات كبيرة ومخيفة لا بد من التعاطي معها.
وشددت جيهان أبو زيد على الحاجة إلى تغيير الكثير في رؤية المنظمة وخريطتها قائلة إنه إذا تمّ فهم تلك الخريطة ستكون لهم القدرة على بناء خطط وعلاقات إقليمية فاعلة تستجيب لتحدّيات المرحلة.
كما جددت التأكيد على أن التعاطي الراهن على المستوى الإقليمي جيد ويمكن البناء عليه واستثماره مع قراءة المرحلة والخريطة وبناء رؤية تتناسق مع تحديات المرحلة الراهنة.
وفيما يتعلّق بمسألة التمويل، قالت جيهان أبو زيد إنه لا بد من التعرف على مصادر وفرص أخرى من "الدول التي سرقت خيرات المنطقة"، حسب تعبيرها، مبينة أن هناك تمويلا يمكن الوصول إليه بعد أن أصبحت منظمات غير مهتمة بالمجتمع المدني العربي اليوم.
صورة ليسري مصطفى
العالم اليوم يُدار بالأزمات
من جهته، أوضح الخبير في تطوير قدرات منظمات المجتمع المدني يسري مصطفى أن ما يجع المدافعين والناشطين والمناصرين لحقوق الإنسان هي المنصات الدولة وكانت مؤتمرات الأمم المتحدة تنعقد مما يستدعي عمليات تنسيق بين أطراف من بلدان مختلفة.
وأضاف مصطفى أن جزءا من بناء هوية حركة حقوق الإنسان أو مجموعات حقوق الإنسان في الثمانينات والتسعينات هو أنه كان يواجه عملية نزع المشروعية عنه بإضفاء مشروعية على ذاته قائمة على معارضة السياسة الأمريكية والإسرائيلية ودعم القضية الفلسطينية، وكان ذلك يجمع بين هذه المنظمات.
وبيّن أنه عدا ذلك كانت كلّ القضايا المطروحة تنسيقية، مؤكدا أن فكرة حقوق الإنسان والقضايا الكونية التي ظهرت مرجعيّتها الرئيسية وآلياتها الرئيسية المجتمع الدولي.
وأردف بالقول إن الانهيار الذي حصل على مستوى المجتمع الدولي انعكس على المستويين المحلّي والإقليمي وأدى إلى تراجع المتغيّر التابع وهو التنسيق الإقليمي.
وأشار يسري مصطفى إلى ضرورة التفريق بين العمل الإقليمي المشترك بشكله التقليدي وحيوية الفاعلين في المنظمات الوطنية، مبرزا أن هناك العديد من التغيّرات التي وقعت ونقطة الانحسار والانكماش تتعلّق بالعمل الإقليمي الذي كان يتمّ بين منظمات حقوق الإنسان أو المنظمات الفاعلة على الساحة.
وبيّن أن هناك منظمات تراجع دورها بشكل كبير وأن الحركيات الموجودة حاليا تقوم على شباب مرتبط بآليات دولية، موضحا أن هناك لا مركزية على مستوى القضايا اليوم والمجال الحيوي للحراك لم يعد من الممكن تحديده جغرافيا بل تحدده القضايا الموجودة.
وتابع قائلا إن ذلك يؤثر على هوية المجتمع المدني الذي في الأصل هو هوية غير محددة وغير معروفة، مؤكدا أنه توجد اليوم حركة تغيّر لا بد من الاستجابة إليها ورصدها والتحرك معها.
ولفت مصطفى إلى أن العالم اليوم يُدار بالأزمات التي أصبحت مصدر ربح واستثمار مما يؤدي إلى محددات جديدة وهو ما يطرح أسئلة تتعلّق بقدرة المجتمع المدني وجاهزيته للتعامل معها وقدرته على بناء تحالف فيه ديناميكية أكثر من السابق، مشددا على أن المجتمع المدني إذا واصل العمل بالأطر القديمة التي تعود إلى التسعينات لن يستطيع الاستجابة بمرونة إلى التغيرات التي تحصل.
كما أكد ضرورة وضع سقف للأهداف التي يريد المجتمع المدني تحقيقها مشيرا إلى ضرورة التفريق بين حقوق الإنسان كبنية نظرية وسياسات حقوق الإنسان كسياسات عملية تتطلب بعض التفاوضات والتنازلات.
وأضاف يسري مصطفى أن منظمات حقوق الإنسان تآكلت مبينا أن المحددات التي ستساهم في تحسين وضعياتها لها علاقة بحقوق الإنسان ومحددات أخرى لها علاقة بالفاعلين في مجال حقوق الإنسان، مؤكدا أن عملية لامركزية طالت النخب والفاعلين في مجال حقوق الإنسان.
واعتبر مصطفى أن المنطقة العربية لا تمنح تمويلات لقضايا حقوق الإنسان وأنه لا بد من التفكير في طرق أخرى لأن السياق الدولي هو الداعم لهذه القضايا وإذا لم يعد هذا السياق قويا وداعما للأطراف المعنية لا فقط في الدول العربية ولكن أيضا في إفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية يصبح الوضع صعبا إلى أن تتغير المسائل ويتم العثور على قطاع خاص أو مجموعات نشطة قد توفر الدعم لهذه القضايا في البلدان العربية.
وختم بالتأكيد على أنه إذا لم تتغير الوضعية الدولية لن يكون من السهل إيجاد دعم لمنظمات حقوق الإنسان.
رابط الجزء الأول من البرنامج: www.facebook.com/EssaidaFm/videos/976427133561549
من المهم الاشارة إلى أنّ الحلقة الخامسة من برنامج آفاق مدنيّة كانت قد شهدت استضافة شميسة رياحة مديرة المعهد العربي لحقوق الإنسان فرع المغرب التي تحدثت عن مفهوم العمل الإقليمي المشترك في مجال حقوق الإنسان.
وسجلت الحلقة الخامسة من البرنامج أيضا حضور جمال مسلّم الرئيس السابق للرابطة التونسية لحقوق الإنسان في فقرة بين الذاكرة والتاريخ حيث تحدث عن تجربته الحقوقيّة في أبرز المحطات التي عاشها وعن تاريخ الحركة الحقوقية في تونس.
وفي فقرة صنّاع الأمل، نزلت ماجدة اليعقوبي رئيس جمعية الطريق الأخضر ضيفة على البرنامج حيث قدمت نبذة عن أنشطة الجمعية في مجال مكافحة التغيرات المناخية والمحافظة على البيئة ودعم السياحة الايكولوجية وخاصة مشروع التشجير في المناطق التي تعرضت إلى حرائق في السنوات الأخيرة.
وفي ركن فرص مدنية، حضر مجدي حسن المدير التنفيذي للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات حيث قدّم الفرص التي يتيحها مركز التفكير هذا الفريد من نوعه في المنطقة ولاسيما في مجال الاقتصاد والاستثمار والابتكار وخلق الثروة والتنمية المستدامة.