مثّل موضوع علاقة المجتمع المدني ووسائل الإعلام في العالم العربي محور النقاش في الحلقة الرابعة من برنامج "آفاق مدنيّة" الذي استضاف فيه محمد اليوسفي الصحفي بقناة الجزيرة الاخبارية محمد كريشان ومديرة المشاريع بمبادرة مناظرة فدوى الزيدي.
أنظر الرابط
www.facebook.com/EssaidaFm/videos/3360365824294021
المجتمع المدني سند قوي للصحفيين/ات
يرى الصحفي بقناة الجزيرة الاخبارية والخبير بمعهد الجزيرة للإعلام محمد كريشان أنّ المجتمع المدني هو في حقيقة الأمر كان دائما يمثّل سندا قويا وذلك من خلال المواد الإعلامية والتقارير والأخبار التي يوفرها عبر المنظمات والجمعيات.
ويضيف كريشان انطلاقا من تجربته المهنية والمدنيّة التي تفوق 3 عقود من الزمن: " الصحفي ليس مهندسا معماريا ولا هو بطبيب وهو أيضا ليس موظفا في بنك. إنّ الصحفي شخص يعمل في الشأن العام ولهذا من حقّه أن يكون له رأي في القضايا المدنيّة. كنت لسنوات أنشط في جمعية الصحفيين التونسيين وفي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وفي لجنة حماية الصحفيين بنيويورك، لهذا لا يمكن لي اليوم أن أبلع لساني و ألتزم الصمت مثلا تجاه ما يحصل في بلدي تونس وأتذرّع بأني صحفي لا يخوض في القضايا السياسيّة.هذا غير ممكن."
يؤكد كريشان أنّه وعلى عكس المقاربة التي ذهبت فيها قناة البي بي سي من خلال فرض عدم نشر آراء في صفحات التواصل الاجتماعي بالنسبة للصحفيين العاملين فيها، فهو يؤمن بأنّه من حقّ الصحفي أن يكون له رأي في القضايا التي تهمّ الشأن العام شريطة ألا يتحوّل إلى ناشط سياسي بلون فاقع.
ويعتبر مقدمّ البرامج الحوارية والإخبارية في قناة الجزيرة محمدّ كريشان أنّ منظمات المجتمع المدني في العالم العربي كانت تئن قبل سنوات بسبب الصعوبات التي تجدها في نشر بياناتها التي كانت تحرج خاصة السلطة السياسيّة،مبرزا أنّ الأمور تغيّرت اليوم بفعل ما أسماه الانفجار الإعلامي والاتصالي حيث لم يعد ممكنا التحكم في الخبر لاسيما في ظل الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي .
من هذا المنطلق، يبيّن كريشان أنّ المجتمع المدني لم يعد رهينة لدى وسائل الإعلام التقليديّة لكي تروّج له بل إنّ أغلب المنظمات والجمعيات صارت لديها مواقع على الإنترنت وصفحات في الميديا الاجتماعية وهي تستعمل الفيسبوك والتويتر و الواتس اب للترويج لبياناتها لهذا لم يعد ممكنا كتم الأصوات، وفق تقديره.
وأشار كريشان إلى أنّ عديد الصحفيين في العالم العربي اليوم أصبحوا ينتجون برامج على اليوتيوب ما يعني أنّ الصورة لم تعد جامدة أو محنطة مثلما كانت في السابق،مبينا لأنّ العديد من نشطاء المجتمع المدني أصبحوا صحفيين بشكل ما وأنّ العديد من الصحفيين أصبحوا نشطاء في المجتمع المدني.
تقاطعات في خدمة الصالح العام
من جهتها، ترى مديرة المشاريع بمبادرة مناظرة فدوى الزيدي أنّ الصحفي/ة والناشط/ة في المجتمع المدني يتقاطعان في خدمة الصالح العام بحيث توجد هناك علاقة تكاملية بين الإعلام والمجتمع المدني.
وتشدّد الزيدي على أنّ الصحفي هو صاحب مبادئ فهو يدافع عن حقوق الإنسان ويسعى لكشف الحقائق لهذا من الطبيعي أن تكون له توجهات وهذه طبيعة إنسانية،وفق تعبيرها.
وقد ثمنت المتحدثة التقارير والدراسات التي ينتجها المجتمع المدني،معتبرة إياها تمثّل مادة قيّمة لا غنى عنها في العمل الصحفي.
ودعت الزيدي إلى ضرورة عدم وضع جميع وسائل الإعلام في سلّة واحدة،منادية بضرورة التمييز بين الإعلام العمومي والإعلام الخاص والإعلام الجمعياتي وبين الوضع الإعلامي حسب كلّ بلد في العالم العربي حيث تختلف التجارب.
تقول فدوى الزيدي في هذا السياق:" من خلال تجربة مناظرة نحن نقرّ بوجود مؤسسات إعلامية تدعمنا وأخرى ترى نفسها غير معنية بما نقدمه لأنها ربحية وتجارية بالأساس.لقد خضنا الكثير من النقاشات مع عديد وسائل الإعلام ودائما ما يكون هناك أخذ وعطاء لهذا من المهم أن نشير إلى أنّ المناظرات التي ننتجها تبث في عدّة قنوات في تونس ولبنان وهناك برامج إذاعية ننتجها تبثها إذاعات جميعاتيّة شريكة لنا وهذه وجه من أوجه التعاون البناء بيننا. "
وتضيف مديرة المشاريع في مبادرة مناظرة: "يجب أن نعترف بأنّ كلّ وسائل الإعلام في العالم ليس فقط في الفضاء العربي لها أجندات وهي جلّها غير محايدة. هناك وسائل إعلام خاصة هدفها الربح وليس المعلومة وبالتالي هناك عدد محدود من وسائل الإعلام التي تهتم بالصالح العام ومن هذا المنطلق برز الإعلام البديل في عالمنا العربي والعالم كللّ."
فضلا عن ذلك، أوضحت فدوى الزيدي أنّ مبادرة مناظرة تعمل من تأسيسها على خلق بيئة مدنيّة صحيّة للتداول في الشأن العام، مؤكدة أهمية توخي الشفافية من قبل منظمات المجتمع المدني لا سيما في علاقة بطبيعة الأنشطة والاستقلالية وقضيّة التمويل الذي ليس من العيب أن يكون خارجيا لاسيما وأنّ الحكومات بدورها تتحصّل على مساعدات أجنبيّة.
ودعت الزيدي إلى ضرورة محاربة الصورة النمطيّة التي يودّ البعض الصاقها في المجتمع المدني من خلال الشيطنة والتشويه والتضليل، مشدّدة على أنّ تحالف آفاق مدنيّة وضع هذا الهدف من بين قائمة أهدافه القائمة على التكاتف والتعاون المشترك على نطاق إقليمي عربي لا محليّ وطني.
في الحاجة إلى جيل جديد ديمقراطي متشبّع بحقوق الإنسان
يرى محمد كريشان أنّ الصحفي الذي لا يدافع عن الحريّات الأساسيّة والديمقراطية وحقوق الإنسان هو ليس صحفيا حقيقيا بل هو مجرد عامل في المجال الإعلامي،معتبرا أنّ الرأي العام لا يتسامح مع صحفي يسكت حينما يسجن صحفي آخر.
ويحذّر ضيف برنامج "آفاق مدنيّة" من خطر الشعبوية في تونس التي تستهدف حاليا الإعلام والمجتمع المدني على حدّ سواء قائلا:" التوجه الشعبوي يوميا يتجه نحو مزيد خنق الفضاء الإعلامي والمجال المدني وحتّى الفضاء السياسي. يجب الصمود لعلّ هذه المرحلة قد تغلق قريبا حتّى وإن كنت غير متأكد من فرضية حصول ذلك."
ويضيف كريشان في نفس الإطار:" الديمقراطية التي كنّا فيها كانت هشّة. النكبة الكبرى في نخب المجتمع حيث تبيّن أنّ العشرات فقط يدافعون اليوم عن الديمقراطية.لدينا اشكال كبير في مدى عمق الإيمان بالديمقراطية. من الصعب بناء ديمقراطية دون ديمقراطيين."
ويؤكد الصحفي بقناة الجزيرة محمد كريشان على ضرورة الاجتهاد من أجل ارساء ثقافة القبول بالآخر في إطار التعدّدية والحق في الاختلاف،مستنكرا الدور الذي يقوم به عدد من المعلقين/ات في البرامج الحوارية في تونس من منتحلي صفة "المحلّل/ة السياسي/ة" حيث اعتبر أنهم قاموا بإفساد الحياة السياسية في تونس و أرسوا ثقافة الكراهية والإقصاء والحقد بسبب المساحات التي فتحت لهم في وسائل الإعلام.
من هذا المنطلق، تشدّد فدوى الزيدي على ضرورة تكوين جيل جديد من الديمقراطيين المتشبعين بثقافة حقوق الإنسان بهدف ضخّ دماء جديدة في المجتمع المدني وفي الحياة السياسية وفي المشهد الإعلامي في العالم العربي.
وقد أبرزت ضيفة برنامج "آفاق مدنيّة" تجربة مبادرة مناظرة التي تدور في هذا الفلك حيث تشتغل أساسا على تكوين الشباب من قادة الرأي المستقبليين على القبول بالرأي والرأي الآخر من خلال مشروع "صنّاع الرأي" الذي تمّ اختيار شباب من تونس ولبنان من مختلف الخلفيات السياسية والفكرية والطائفية والعرقية دون تمييز على أساس اللون أو الدين أو لون البشرة أو الأيديولوجيا.
زيادة عن ذلك، شدّدت مديرة المشاريع في مبادرة مناظرة على أنّ الإيمان بالاختلاف مهم جدا وهو ما لم يكن موجودا في الأجيال السابقة، لهذا وجب تكون جيل جديد من المتشبعين/ات بالديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل خدمة الصالح العام سواء في الإعلام أو في المجتمع المدني وحتّى في المجال السياسي.
أنظر الرابط
من المهم الإشارة إلى أنّ برنامج "آفاق مدنيّة" في عدده الرابع كان قد استضاف أيضا الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنطوني بيلانجي في علاقة بمسألة تحديد ماهية الصحفي والناشط المدني انطلاقا من مدونة أخلاقيات المهنة.
ونزلت سكينة عبد الصمد القيادية السابقة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ضيفة على البرنامج في فقرة بين "الذاكرة والتاريخ" حيث قدّمت شهادة قيّمة في علاقة بمسار تأسيس النقابة سنة 2008 وخاصة في علاقة بمسيرة الراحلة نجيبة الحمروني نقيبة الصحفيين التونسيين بين 2011 و 2014 ونضالاتها دفاعا عن الكلمة الحرّة واستقلالية الصحفيين ووسائل الإعلام.
ومن لبنان، استضاف البرنامج حسين الشريف منسق المشاريع والبحوث بمؤسّسة مهارات حيث قدّم هذا الأخير أهم الفرص المدنيّة التي تتيحها المنظمة لوسائل الإعلام المستقلة والصحفيين المحترفين وصنّاع المحتوى و الصحفيين المواطنين في العديد من الدول في العالم العربي.
وفي فقرة "صنّاع الأمل"، كان ضيف البرنامج المدير التنفيذي للمركز الليبي لحريّة الصحافة محمد الناجم الذي تحدّث عن دور المجتمع المدني الليبي في مسار الإعداد للانتخابات العامة المرتقبة قبل نهاية هذه السنة في ليبيا، مقدمة حصيلة الدورات التي قدمها المركز في 6 مدن ليبية لفائدة الصحفيات والصحفيين ، فضلا عن الرصد للتعدّدية والحملات الانتخابية وتكوين مراقبي الانتخابات.