منطقة عين عناق من عمادة الصفصاف:
" سأكبر وأصلح الطريق "
تشير الساعة إلى السادسة والنصف صباحا، الجو بارد جدا هنا في عين عناق من عمادة الصفصاف تنطلق رحلة عمر اليومية وقد لبس قفازاته السوداء السميكة وحذاءه البلاستيكي المانع لتسرب المياه ،بخطوات متثاقلة وجسم منهك يتكئ على عصا طويلة صنعها بنفسه من اغصان الزيتون "هي عصا أهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى..."هكذا بدا المعلم عمر كلامه ضاحكا ثم قال " ألبس تقريبا يوميا ماثقل وزنه من الثياب حتى لا أشعر بالبرد"
رافقنا المعلم عمر في رحلته إلى المدرسة،كان يحمل حقيبة تعج بالكتب والكراسات ويكاد غطاء الراس يخفي ملامح وجهه، الطريق وعرة جدا والضباب يكسو المكان في هذه المنطقة الجبلية الواسعة المعرفة بسكون مناطقها السكانية.
"نمشي ساعة ونص باش نوصل للمدرسة، الطريق مافيشو ضوء دنيا ظلمة وخاصة في الشتاء نشعل تورش وإلا آمبتريك" هكذا وصف عمر طريقه الى المدرسة، أربعة كيلومترات في مسلك ريفي تزينه الحفر والمطبات يمشيها المعلم ذهابا وإيابا إلى مدرسة عين عناق التي أصبحت تابعة للمنطقة الترابية لبلدية قلعة سنان من ولاية الكاف بعدما شملها التوسع في 2016.
في هذا الريبورتاج سنعيش مع المعلم والتلاميذ في المنطقة معاناتهم اليومية ونحاول معرفة أسباب عدم تمتعهم بطريق معبدة رغم أنهم يسكنون منطقة بلدية؟
طريق وعرة وحوادث متكررة
تعبنا من المشي ولكنه لم يتعب، تشير الساعة الى السابعة صباحا، بدأت السماء تظهر نورا خافتا يبشر ببداية يوم جديد، في هذه الساعة يلتقي المعلم "عمر" بالتلاميذ منهم من يمتطي حمارا ومنهم من يمشي سيرا على الأقدام الصغيرة المنهكة، بخطى متمايلة بين الأحجار باحثا عن تربة سوية يمشي فيها .
امتطى عمر الحمار مع أحد تلاميذه الذي أكد لنا حجم المخاطر التي تعترض طريقهم يوميا "لقد تعودنا على مشاهد الخنازير وملاحقتها لنا، لكن الأخطر منها سيارات نقل البنزين فهي سيارات الرعب بالنسبة الينا وقد تعرض تلاميذ كثر لحوادث ومنهم من قرر الانقطاع عن التعليم ".
وأخيرا وصلنا المدرسة الساعة الثامنة صباحا " هل ترى نظرات التعب والملل في عيون الأطفال؟ كيف سأطلب منهم التركيز في الدرس وهم متعطشون للراحة وللنوم بعد تعب الطريق الذي أبت البلدية تعبيده أو حتى إنارته حتى تحمينا من كل هذا العذاب" يقول المعلم عمر ذلك وهو يبتسم أمام التلاميذ حتى لا يحسو بالتعب " ليرتاح الجميع 10 دقائق وننسى بعد المسافة ونركز في أحلام الوصول إلى مانريد،أنت ألست ترغب في ان تكون طبيبا ؟وانت مازلت أذكر أنك تريدين مهنة القضاء ،نعم تمسكوا بأحلامكم علينا محاربة تلك الصعاب بالعلم " فيبتسم كل التلاميذ ويدخلون الفصل استعدادا للدرس.
"سئمنا الانتظار والبلدية لاتهتم لأمرنا "
24 تلميذا في هذه المدرسة يأتون من أربع قرى مختلفة "المصابحية -عين عناق -الصفصاف وأولاد موسى مع3 معلمين منهم من يأتي من المدينة و منهم المعلم "عمر" الذي أكد لنا أن عبور الطريق يصبح مستحيلا في الشتاء وأنهم يعجزون عن مواصلة الدراسة لأن مياه الأودية تقطع الطريق الذي تغزوه الأوحال والحفر ويصبح أكثر خطرا.
جلسنا الى جانب التلاميذ وقد تمكن منا التعب والبرد الشديد الذي اخترق جدران المدرسة المهترئة بعد ربع ساعة من بداية الدرس يطرق باب القاعة ويدخل آدم معتذرا للمعلم عمر "اسف على التاخير فوالدي مريض اليوم واضطررت لانتظار جارنا حتى أسير معه طول الطريق"
كان ادم يلبس حذاء بلاستيكيا ومعطفا يغطي كامل جسمه النحيف ،جلس منهكا وقد تخلص أخيرا من حقيبة ظهره التي إمتلأت بالكثير من الكتب.
في توقيت الفسحة تعرفنا إلى "آدم" فهو يتنقل يوميا من منطقة العجاردة من عمادة الصفصاف، يخيفه سكون الظلام، يتعبه المسير ساعة متواصلة في طريق غير معبدة لكنه ابتسم لنا قائلا "نحب نقرا باش يجي نهار ونصلح الطريق" فلا أحد تدخل ليساعدنا اخي الأكبر قرر الانقطاع عن التعليم بسبب خوفه من الظلام ومهاجمة خنزير له وأصبح يعاني من مشاكل نفسية كلما ذكرنا له اسم المدرسة او حاولنا إعادته لمقاعد الدراسة ".
مناطق مهمشة تنتظر وقفة حازمة من السلطات والمسؤولين
في سنة 2016 التحقت عمادة الصفصاف بالمنطقة البلدية حيث شملتها التوسعة التي تمثلت في إضافة القرى والعمادات التي تحيط بالمركز، للمجال الجغرافي للبلدية. فمناطق التوسع هي المجال الجغرافي الذي تتم إضافته إلى البلديات والذي يضم عدد من الأحياء التي تحتاج إلى تهيئة بنيتها التحتية (انارة طرقات ماء صالح للشراب…)
منطقة تفتقر إلى أغلب الأساسيات من تنوير ومياه صالحة للشراب وتعبيد للطرقات وتمسك عدد قليل من الأهالي بالبقاء فيها في حين قررت الأغلبية مغادرتها إلى الكاف المدينة أو إلى تونس العاصمة حتى يتمكن أبناؤهم من التمتع بالحق في التعليم والذي حال هول ما يعيشونه عبر ذلك الطريق دونه.
طريق وعرة يكسوها الظلام ومحفوفة بالمخاطر ورغم تشكيات المعلمين والأهالي لبلدية قلعة سنان إلا أن شيئا لم يتغير.
البلدية عاجزة
بعد رحلة تنهك الجسد وتتعب النفسية بعد سماع سكان المنطقة وخاصة المعلم عمر والتلاميذ،توجهنا نحو رئيس بلدية قلعة سنان "محمد الفاضل غواصي" ونقلنا إليه بعضا من معاناة عايناها بأنفسنا فاكد لنا علمه بالاشكال وعلل عدم تدخل البلدية بضعف مواردها المالية فهي اليوم مطالبة بخلاص الأعوان والتعهد بدين لشركة الكهرباء والغاز لخلاص التنوير الشيء الذي أثقل كاهلها.
ولدى سؤالنا عن مجال تمتع هذه المنطقة من اشغال التوسعة أكد رئيس البلدية انها تشمل التنوير العمومي ورفع الفضلات وتعبيد الطرقات والربط بقنوات المياه الصالحة للشراب أي البنية التحتية وأن كل ذلك سيشمل منطقة عين سنان قريبا بالتنسيق مع وزارة التجهيز و الإسكان و أي إدارات دولة للقيام بعملية التوسعة لكن ذلك يبقى رهين توفير الاعتمادات ويرى أن الحل يكمن في توفير ميزانية تشاركية مخصصة للمناطق الريفية.فنجاح اللامركزية من عدمه يرجع إلى الاعتمادات.
https://youtu.be/32PNCjAqEOo
انتهت رحلتنا التي جمعت بين معاناة الوصول إلى المدرسة وأمل تحقيق التلاميذ لأحلامهم رغم الصعاب والمخاطر،الحق في التعليم ورد في الفصل 39 من دستور27 جانفي 2014 "تضمن الدولة الحقّ في التعليم العمومي المجاني بكامل مراحله، وتسعى إلى توفير الإمكانيات الضرورية لتحقيق جودة التربية والتعليم والتكوين" كما صادقت نونس في سنة 1991 على اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺣﻘﻮق اﻟﻄﻔﻞ الدولية التي ﺗﻌﺘﺮف بحق اﻟﻄﻔﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ،ولكن ما أوسع الفجوة بين القانون والواقع...